[color=blue]
في البدأ أود أن أطرح هذا الموضوع لأهميته و تأثيره القوي على سلوكيات المجتمع . وسوف أطرح عدة ملاحظات مهمة بخصوص كشف هويتنا وفتح باب النقاش للوصول إلى حقيقة هذه الهوية . في دراسات وأبحاث تاريخية تشير إلى وجود العرقية النوبية من قبل التاريخ ولكن نلاحظ قلة عدد النوبيين الأن (محس - حلفاويين - دناقلة - كنوز ) لا يتناسب مع الفترة الزمنية المذكورة أعلاه :- - فهل ياترى لاينجبون ؟ أم هاجروا إلى مناطق أخرى ؟ - أم تنكروا لأصولهم النوبية لصالح عرقية أخرى ؟ . . . . . وأنا أرجح الإفتراض الأخير هناك أشياء كثيرة في تاريخ السودان الحالي ليست منطقية وفيها ثغرات ولايتقبلها العقل ومثال لذلك :- أن أشكالنا الحالية نتيجة لإختلاط عرقيتين العربية و الزنجية(النوبية). . . . . . . وهذه صورة توضح أشخاص من أربع عرقيات مختلفة وهي: الاسيويين هم أربع أشخاص في الصف الأول من اليمين إلى اليسار . . . ويليهم مباشرة الزنوج وهم أيضاأربعة أشخاص . . . ويليهم الاشوريين وأيضا أربعة أشخاص . . . وأخيرا العرقية الاخيرة و يقولون انهم المصريون (النوبة) وهم أربع والخامس هو (حورس) وهم في الصف الثاني . . . سؤالي هنا : أين نحن من العرقيات الأربعة ومن اللذين يشبهوننا في الشكل ؟
يلا اسيبكم مع المقال ده
بقلم د. الباقر العفيف
ترجمة الخاتم عدلان
خلفية الدراسة :
تشتعل في السودان حرب هي الأطول عمراً في أفريقيا، وربما في العالم كله. استمرت هذه الحرب ثلاثين عاماً، قتل فيها 1،9 مليوناً وشرد 5 ملايين. وقد قتل منذ أن استولت هذه الحكومة على الحكم عام 1989م، بسبب الحرب والمجاعة الناتجة عنها، عدد أكبر مما قتل في الحروب البوسنية والرواندية والصومالية مجتمعة . وفي محاولاتهم لفهم جذور الحرب، اتبع المؤرخون والمحللون السياسيون السودانيون، منهجين. الجيل الأول من هؤلاء ركز بصورة أساسية علي القوى الاستعمارية، ومخططاتها المحسوبة لفصل الجنوب عن الشمال ببذر بذور الكراهية في الجنوب. و لكن وبعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الوطني ما تزال الحرب قائمة فحسب، بل تفاقمت, واتخذت سيماؤها الدينية الكامنة, شكلها الواضح والمكتمل. وقد دفع هذا الواقع أجيالاً جديدة من السودانيين للتفكير في الأمر بصورة مختلفة. وهنا برز المنهج الثاني، لينقل مركز الاهتمام من العدو "الخارجي" إلى العدو "الداخلي" عندما يحاول الوصول إلى جذور الحرب، باعتبارها نزاعاً بين الهويتين الرئيسيتين في البلاد: الشمال والجنوب. وهناك الآن اتفاق واسع بين السودانيين، شماليين وجنوبيين علي حد سواء، أن بلادهم تعاني أزمة الهوية الوطنية. وأصبحت الحرب بالنسبة لهم وبصورة جوهرية، حرباً للرؤى، كما عبر عن ذلك تعيراً بليغاً، فرانسيس دينق ، الشخصية السودانية الجنوبية البارزة . وقد سعى الشمال الذي يشعر بأنه عربي ومسلم، إلى تعريف البلاد كلها على هذا الأساس. وهو لم يكتف فقط بمقاومة كل محاولات القطاع غير العربي لتوصيف السودان باعتباره جزءً من أفريقيا السوداء . بل بذل جهداً خارقاً لاستيعاب الجنوب من خلال سياسات التعريب والأسلمة، وسعى إلى تحويل الهوية الجنوبية إلى انعكاس مشوه للذات الشمالية. ولكن الجنوب، الذي نظر إلى المشروع كنوع من الاستنساخ الثقافي، قاوم هذه الاتجاهات دون هوادة.
ولكن هذه الدراسة تذهب خطوة أبعد، وتبحث، على مستوي اعمق، عن جذور هذه الحرب.أنها تسلط الأضواء على النزاع داخل الهوية الشمالية التي تقود إلى النزاع الأكبر بين الهويتين الجنوبية والشمالية.أنها تحاول الكشف عن العلاقة بين الانشطارات التي سببتها النخبة الشمالية الحاكمة علي مستوى البلاد، وتصدعات النفس الشمالية ذاتها، وتحديد ما إذا كانت الأولى، هي في نفس الوقت ، عرضاً للثانية وعلامة عليها. وهكذا فإن هذه الدراسة تحاول إنجاز تحول أخر، بنقل الانتباه من الازدواجية الخارجية التي تميز الانقسام الشمالي/ الجنوبي، إلى الازدواجية الداخلية التي تعاني منها الذات الشمالية.
تعريف الهوية:-
يعرف قاموس وبستر الجديد، للغة الإنجليزية، الهوية باعتبارها "تماثل الخصائص الجينية الأساسية في عدة أمثلة أو حالات أو تماثل كل ما يحدد الواقع الموضوعي للشيء المعين: تماثل الذات، الواحدية ، تماثل تلك الأشياء التي لا يمكن التمييز بين آحادها إلا بخصائص عرضية أو ثانوية. الإدراك الناتج عن التجربة المشتركة، هو أحد حالات هذا التماثل. أو وحدة الشخصية واستمرارها: وحدة وشمولية الحياة أو الشخصية أو حالة التوحد مع شئ موصوف، مزعوم أو مؤكد أو حيازة شخصية مدعاة" .
إذا شئنا تحديد هوية الشخص، فربما نحتاج لمعرفة اسمه أو اسمها، لونه، خلفيته الاثنية أو الثقافية، والموقع الذي يحتله وسط الجماعة. هناك، إذن ، وجهان للهوية، أحدهما أصلي، بدائي، ومعطى، والأخر مصنوع ومختار . فالهوية في نفس الوقت ذاتية وموضوعية، شخصية واجتماعية، ومن هنا طبيعتها، المتفلتة ، العصية على التحديد. ويملك الأفراد تشكيلة واسعة من الهويات الممكنة. إذ يمكن أن تكون لهم هويات عرقية أو اثنية، قومية أو دينية، أو حتى هويات خاصة بالمدن التي يقيمون فيها . ويرتبط الحديث حول الهويات الشخصية، ارتباطا وثيقاً، بمجال الخطاب الجينوي. ومع إن الخصائص البيولوجية هي خصائص موضوعية، إلا أن الهويات الفردية تعني شيئاً أكثر من ذلك. فهي تشتمل على دلالة ذاتية لوجود مستمر وذاكرة منسجمة ومترابطة منطقياً .
الدلالة الذاتية للهوية هي الإحساس بالوحدانية والاستمرارية الشخصية ، الإحساس بالانتماء إلي منظومة راسخة من القيم التي تكون الاتجاه العقلي والأخلاقي للمرء، وتعطى الأفراد خصائصهم المتفردة. إنها تمكن الفرد من تحقيق حياة ممتلئة وكثيفة. في مثل هذه اللحظات يمكن أن يقال أن الشخص حقق ذاته أو ذاتها. وصار "متصالحاً مع جسده أو جسدها". وعلى وئام مع بيئته أو بيئتها ومع نظامه أو نظامها الرمزي. ولكن الذي يقوم هذه الدلالة الذاتية، هو الخصائص الموضوعية، والتي يمكن التعرف عليها من قبل الآخرين.
الهوية دينامية أيضاً ومستجيبة للظروف المتغيرة. وهي قابلة للتحول مع التقنيات والنظم الثقافية والسياسية المتغيرة . وهي استراتيجية. فالناس يتبنون هويات معينة لأسباب استراتيجية مثل "التمكين" وقبل كل هذه العوامل وبعدها، هناك الإرث التاريخي لأجدادنا الذي "يحط بثقله في تحديد من نحن وماذا يمكن أن نكون . الهوية إذن إدعاء للعضوية يستند إلى كل أنواع النمطيات مثل العرق، الجنس ، النوع، الطبقة ، الطائفة، الدين، الثقافة ... الخ . إنها الطريقة التي يعرّف بها الناس أنفسهم، ويعرفهم بها الآخرون، على أساس من الأنماط السابقة .
تعريف التماهي :-Identification
قاموس العلوم الاجتماعية يعرف التماهي باعتباره "الميل للتقليد،و/ أو عملية تقليد سلوك شئ ما. وربما يدل كذلك على عملية التمازج العاطفي، أو حالة هذا التمازج الناجزة، مع هذا الشيء ذاته." . وقد استخدم س. فرويد، هذا المصطلح في علم النفس، لأول مرة عام 1899. إذ قال أن "التماهي هو التعبير المبكر عن الرابطة العاطفية مع شخص أخر". يتماهي الفرد مع شخص أخر "كمثال للذات " بوصفه شخصاً يريد أن يكونه، أكثر مما يريد أن يمتلكه. وهذا ما يجعله مهماً في سلوك المجموعات. وهو يفسر حاجة الفرد ومقدرته علي الارتباط، وقوة الروابط العاطفية. المشار إليها، كخصائص جوهرية للبشر. وهو يذكر في نفس الوقت" الأصل الطفو لي لعملية التماهي، ويفترض أن هذا الأصل الطفولي هو الذي يفسر بقاءها على مستوي اللاوعي، وقوتها كعامل تحفيزي، وتظاهراتها اللاعقلانية والنكوصية في بعض الأحيان. ولكن التماهي بالنسبة إليه ليس مجرد محاكاة، بل هو بالأحرى تمثل يستند إلى سلسلة سببية متشابهة .
ن. سانفورد يعارض مقولات فرويد ويقول أن التماهي، علي عكس ما يقول فرويد ، هو عملية واعية ، وأن المحاكاة هي اللا واعية، ويعرف ج. ب سيوارد، التماهي بأنه "استعداد عام لمحاكاة سلوك أحد النماذج" ويتحدث فرويد عن ثلاثة مستويات للتماهي. وتقول فرضيته أن التماهي يتخذ أولاً شكل الارتباط العاطفي بشيء ما. ثم يصبح بديلاً عن الرابطة الجنسية، وكأنما يتخذ شكل امتصاص أو تشرب أو تمثل الشيء في الذات. ثم يؤدي في النهاية إلى بروز إحساس جديد بخاصية مشتركة مع شص أخر ، أو مجموعة أخري. ويميز شيلر بين نوعين من أنواع التماهي، هما الايديوباثي أي الذاتي؛ والهتروباثي، أي الغيري. يحدث التماهي الايديوباثي من خلال "اضمحلال الذات الأخرى وامتصاصها من قبل الذات المتماهية"، بينما في التماهي الهتروباثي "تتضاءل الذات المتماهية أمام هيمنة وجيشان النموذج" .
تكوين الذات:
المفهوم الكلاسيكي يقول أن الذوات الاجتماعية تمثل معطيات أصلية، أو بدئية، موروثة مثل الخصائص البيولوجية. ولكن هذا المفهوم يخلي الساحة الآن لمفهوم أخر هو أن الهويات تتكون وتصنع اختيارياً ، وهي في حالة مستمرة من التكوين . ولكن اختيارات الناس لهوياتهم محكومة ومحدودة بالعوامل المعطاة مثل ملامحهم، أسرهم ، جماعاتهم، تواريخهم، ثقافاتهم...الخ, تكوين الشخصية ، بالنسبة لاريكسون ، عملية يستطيع الفرد من خلالها :
"أن يحكم على نفسه على ضوء الطريقة التي يعتقد أن الآخرين يحكمون عليه من خلالها، مقارنين اياه بأنفسهم، وينمط حيوي بالنسبة لهم، ولكنه في نفس الوقت يحكم على الطريقة التي يتصورنه بها على ضوء تصوره هو لذاته بالقياس إليهم،وبالقياس إلى الأنماط التي أصبحت هامة بالنسبة إليه" .
"يقول خبراء علم النفس الاجتماعي، إن تماهي الفرد مع أية مجموعة، مثلاً، الطبقة الاجتماعية، أو الجماعة العرقية أو الاثنية،هو في الغالب الأكثر شمولاً من كل العمليات النفسية المرتبطة مباشرة بالسلوك الاجتماعي .التماهي مع المجموعة المهيمنة مثلاً يحدث عندما "يستبطن (الفرد) منظومة الأدوار الخاصة بالمجموعة، ويعتبر نفسه أحد أفرادها" وهذا يحدث من خلال التمثل الثقافي. ويعبر ديفيد ليتين عن ذلك بقوله:
"التمثل الثقافي شبيه باعتناق الدين، وكما توضح أدبيات التحولات الدينية بصورة قاطعة، فإن ما يعتبر مسلكاً برغماتياً بالنسبة لهذا الجيل،يعتبره الجيل الذي يليه أمراً طبيعياً. ولذلك فإن الأطفال الذين ينشئون في ظل الجماعات الدينية، سيلجأون، مدفوعين بضغوط السلطات الدينية، إلى توبيخ آبائهم على ما يعتبرونه مسلكهم المنافق" .
وهذا الرأي يشابه مفهوم دي فواه عن الهويات المصنوعة" كهويات منحرفة". فهي تدل بالنسبة إليه "على نفعية بلغت مبلغ الشطط" وتمثل علامة على "الاختلال الداخلي" ، الذي يحدث في شروط اجتماعية محدده تمارس تأثيراً هائلاً على الإدراك الذاتي للهوية الشخصية . فرغم طبيعتها المصنوعة، فإن "مكونات الفرد تستطيع إدراج الفرد في سياقها بل حتى استعماره" .
في ثنايا تكوين الهويات الاجتماعية، هناك دائماً مجموعة داخلية، تمثل الهوية الاجتماعية المبتغاة، ومجموعة هامشية، تحتاج إلى الموازنة حتى تتماهى مع النموذج. وفي مثل هذه الحالات، فإن الأولى تمثل اللب، وتحتل مركز الصدارة من تلك الهوية الاجتماعية، بينما تمثل الثانية الدائرة الخارجية وتحتل الهامش. الأولى مستحوذة على الامتيازات، والثانية تبحث عن ذلك. الأولى تملك صلاحيات إضفاء الشرعية على الثانية أو حرمانها منها. ويلجأ شارلس تيلور إلى استخدام مصطلحي "التعرّف، والغيرية". ويقول أن هويات البشر "تتكون جزئياً بالتعرف أو غيابه، أي بالانتباه إلى غيرية الآخرين" .
وعلى سبيل المثال، بينما تمثل الطبقات الوسطي والعليا، مركز الهوية الأمريكية، فإن السود واليابانيين ...الخ الأمريكيين يمثلون تخوم هذه الهوية. ويحتكر المركز الحق في الاعتراف أو عدمه، بهذه المجموعات. ويمكن للتوتر بين المركز والتخوم أو الهوامش أن يظل مكتوماً، أو فاعلاً علي مستويات أدنى في الأوقات العادية والسلمية. وتبدو عباءة الهوية وكأنما هي قادرة على نشر أجنحتها ومد ظلالها على كل المجموعات التي تكون الأمة. ولكن المركز يلجأ في لحظات التوتر إلي استغلال صلاحيات الاعتراف أو إساءة استخدامها. ويمكن حينها أن يسحب المظلة عن أية مجموعة هامشية إذا رأى أن الضرورة تستدعى ذلك. وقد حدث هذا بالفعل في الحرب العالمية الثانية، حينما تم احتجاز اليابانيين الأمريكيين في معسكرات الاعتقال، لأن ولاءهم لأمريكا صار موضع شك من قبل مركز الهوية الأمريكية، ويمكن الاستدلال على الأسلوب الانتقائي للمركز في استخدام صلاحيات الاعتراف وسحب الاعتراف، بأن الأمريكيين الألمان لم يتم اعتقالهم، بالرغم من أن ألمانيا كانت هي القوة الرئيسية في دول المحور الأوربية. ولذلك قرر المركز أن يسحب الاعتراف عن الأمريكيين اليابانيين أثناء الحرب، وإعادته إليهم بعدها. ويمكن أن تقول نفس الشي عن بريطانيا، حيث تمثل الهوية الإنجليزية مركز الهوية البريطانية. فمن الملاحظ أن مصطلح "إنجليزي" يستخدم كثيراً من قبل المجتمع الإعلامي ندما يكون المقصود "بريطاني"، وهو ما يسبب الضيق للوطنيين باسكوتلاندة وويلز.
وتلاحظ الجماعات السوداء البريطانية أيضاً أن وسائل الإعلام البريطانية المركزية تطلق على الرياضيين الأفرو كاريبيين صفة "بريطانيين" عندما يكسبون الميداليات لبريطانيا، وصفة "كاريبيين" عندما يخسرون.هذه الأمثلة توضح التوترات بين المركز والهامش داخل كل هوية، كما تشير إلى ديناميات وعمليات الاعتراف وسحب الاعتراف التي تشتغل بين المركز والهامش.